قدّم المخرج هيفل بن يوسف فيلمه الوثائقي الطويل “رخصة علاج” إلى جمهور أيّام قرطاج السينمائية الذّي أقبل بكثافة على مشاهدته في جميع العروض المبرمجة ضمن الأيام، حيث صوّر لنا محمّد رمزي حمزة وهو شاب تونسي يعاني منذ طفولته من مرض عصبي نادر تطوّرت حالته وتعقدت بين الأدوية والأطباء والمعالجين النفسانيين.
رحلة علاج دامت سنوات طويلة رافقه فيها أب وأم لا حول لهما ولا قوة، ينظران إلى ابن حرمه المرض كلّ معاني الحياة وقذف به إلى اليأس والعجز، لكنّه قاوم بشكل استثنائي لفكّ عزلته والتغلّب على المرض، فاختار شخصية المهرّج كوسيلة يوزّع بها الفرح ويرسم عبرها البسمة على وجوه الناس كبارا وصغارا في موقف المتحدي يوميا لمصابه، ينتصر عليه تارة وينهزم أمامه تارة أخرى.
هذا الشاب الذّي صوّرته كاميرا هيفل بن يوسف وقدّمته لجمهور أيّام قرطاج السينمائية يعلّمنا إرادة الحياة في أحسن تجليّاتها فهو ليس محلّ شفقة بل نجح في تلقين المشاهد دروسا في النظر بإيجابية للحياة وكيفية التعامل مع الذات ومع الآخرين بأساليب بسيطة نجح من خلالها رمزي في دحض عديد الأفكار المسبقة والخاطئة للناس تجاه المرضى حتّى أنّك تظنّه في بعض اللقطات أنّه أكثرنا صحّة وعافية وأنّا نحن المرضى المحتاجون لصوته وموجاته الايجابية التي عرف كيف يبثّها فينا بسلاسة لا تتوفّر إلا في قلّة نجحت في أن تحوّل آهاتها إلى بسمات وأوجاعها إلى نجاحات لا تذرف دمعا بل تزرع فينا فرحا يتسرب إلينا رويدا رويدا.
تطوّر مرض “رمزي” وأثّر سلبا في جهازه العصبي، ما جعل الأدوية التّي يتناولها يوميّا عاجزة عن إنقاذه من معاناته وجلب الراحة إليه، إلى أن اكتشف أنّ هذه الراحة الغائبة عنه منذ الطفولة لا تعيدها إليه سوى مادة القنب الهندي “الزطلة”. وقد جرّب ذلك أحد أصدقائه المرضى وروى له مدى فعالية هذه المادّة وقدرتها على تهدئته وتخفيف وطأة المرض عليه حتي يتمكن من النوم.
لكن من المعروف أنّ القانون التونسي يعاقب مستهلك هذه المادة ويقضي بإيداعه السجن رغم النداءات المتكرّرة لبعض الجمعيات والأحزاب بعدم تجريم استهلاك القنب الهندي وتسريح المتهمين باستهلاكها مثل “حزب الورقة” الذي لعب دورا هاما في الفيلم عامة وفي حياة “رمزي” خاصة، فقد كان رئيس الحزب قيس بن حليمة حاضرا في الفيلم ومساهما في إنتاجه والتعريف بهذه القضية.
هي دعوة صريحة من رمزي وعائلته إلى مسؤولي الدولة لتنقيح القوانين وإلغاء البعض منها حتّى يتمكّن المريض من “رخصة علاج” تسمح له ولعدّة حالات أخرى باستعمال هذه المادة المخدّرة في غايات نبيلة مثل العلاج من بعض الأمراض العصبية والنفسية المستعصية التي باتت الأدوية رغم تطورها عاجزة عن معالجتها.
يستغيث رمزي ويطالب برخصة علاج ويستميت في المطالبة رغم القناعة الراسخة بعدم تلبية مطلبه وبأنّ المسؤولين لن يهتموا بالأمر ولن يعيروه اهتماما.